أهمية تركيز الحكومات على السياسة الداخلية بنسبة 90% والسياسة الخارجية بنسبة 10%
محمد سالم النصرابي
في جوهر الحكم الرشيد، تمثل السياسة الداخلية حجر الأساس الذي تُبنى عليه قوة الدولة ومكانتها، بينما تأتي السياسة الخارجية كامتداد طبيعي لما تحققه الدولة داخليًا. ومن هنا، يصبح من المنطقي أن توجه الحكومة 90% من اهتمامها وجهودها نحو الشأن الداخلي، مقابل 10% فقط للسياسة الخارجية، وذلك لعدة أسباب جوهرية:
1. الشعب هو قلب الدولة
السياسة الداخلية تعني الصحة، التعليم، الأمن، الوظائف، البنية التحتية، والعدالة الاجتماعية. إذا كانت هذه الأسس قوية، نبت مجتمع منتج ومستقر، قادر على الصمود داخليًا والاحترام خارجيًا. فلا معنى لدولة تتباهى بمواقفها الخارجية بينما شعبها يعاني من الفقر أو القهر أو الجهل.
2. النهضة تبدأ من الداخل
كل تجارب الدول الناهضة تؤكد أن الإصلاح يبدأ من الداخل: نهضة اليابان بعد الحرب، وتطور الصين، وحتى التجربة السنغافورية، كلها اعتمدت أولًا على تقوية الجبهة الداخلية: محاربة الفساد، رفع كفاءة التعليم، تطوير الاقتصاد، وتحقيق العدالة.
3. السياسة الخارجية مرآة لما هو داخلي
الدول التي تنجح داخليًا تُفرض احترامها خارجيًا تلقائيًا. لا تحتاج إلى صراخ دبلوماسي أو سباق تصريحات. الدول القوية داخليًا تكون كلمتها مسموعة في المحافل الدولية، دون الحاجة لافتعال الأزمات أو التورط في ملفات خارجية لا تعني المواطن بشيء.
4. العدالة الاجتماعية أولى من المجاملات الدبلوماسية
حين ينشغل المسؤول عن تحسين حياة المواطن، فكل قرش يُنفق يحسب له. أما التورط في ملفات خارجية، أو الإفراط في الاهتمام بالعلاقات الخارجية على حساب الداخل، فهو استنزاف للموارد والطاقة والاهتمام، ويزيد فجوة الثقة بين الحاكم والمحكوم.
5. أمن الداخل شرط لاستقرار الخارج
بدون استقرار داخلي، لا يمكن للدولة أن تلعب دورًا مؤثرًا في الخارج. السياسات الخارجية الفعالة تنطلق من أرضية داخلية متماسكة، مدعومة بشعب راضٍ ومنتج
خاتمة
توازن الدول الكبرى في عالم اليوم لا يُقاس بكثرة تحركاتها الدبلوماسية، بل بمدى رضا مواطنيها عنها، واستقرار مجتمعاتها، وعدالة أنظمتها. ومن هنا، يصبح من الحكمة أن تكون 90% من طاقة الدولة منصبة على الداخل: على المواطن، وعلى الحي، وعلى القرية، وعلى المصنع والمدرسة والمستشفى، بينما تظل السياسة الخارجية أداة مكملة، لا مركزية
تعليقات
إرسال تعليق