" الهجرة غير الشرعية"شباب كالمستجير من الرمضاء بالنار بين قوارب الموت وأوهام الثراء

الشيخ/ حسن محمد حسن محمد 
وعظ أسيوط 

الحمد لله رب العلمين، وصلاة وسلاما علي سيد النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

و بعد:

فلقد أباح الإسلام الضرب في الأرض سعيًا وراء لقمة العيش، وطلبًا للرزق الحلال، شريطة ألاَّ يعرِّض المرؤ نفسه للتًّلف، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].

وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29].

فإذا كانت هجرة المرء من وطنه لطلب الرزق ستؤدى إلى فقد حياته يقينًا أو غلب ذلك على ظنه ظنًا غالبًا فلا يجوز حينئذٍ للمسلم أن يُقدم على ذلك، إذ أنَّ طلب الرزق مباح، والإقدام على ما فيه تلف النَّفس من الكبائر، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عز وجل.

 الهجرة غير الشرعية –ويطلق عليها: (الهجرة السرية)، أو (الهجرة غير القانونية)- هي: دخول شخصٍ ما حدود دولة ما دون وثائق قانونية تفيد موافقة هذه الدولة على ذلك، ويتم ذلك عن طريق التسلل خفية عبر الطرق البرية أو البحرية أو باستخدام وثائق مزورة، ومن صور الهجرة غير الشرعية كذلك الدخول بوثائق مؤقتة بمدة، ثم المكث بعد هذه المدة دون موافقة قانونية مماثلة.
والهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحدث في هذه الأيام تتضمَّن وتستلزم جملة من المخالفات والمفاسد؛ منها ما يلي:
أوَّلًا: ما في ذلك من مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة؛ ما دام أنَّ ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمُحَرَّم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]. والأدلة على هذا كثيرة.
فمَن أراد أن يهاجر من بلد إلى آخر، فعليه الالتزام بالقوانين التي أمر الحاكم أو مَن يُفوِّضه بالالتزام بها؛ وقد نَصَّ القانون المصري رقم (97) لسنة 1959م -والمعدَّل بعدة قوانين وقرارات آخرها القرار الوزاري رقم (19) لسنة 2022م-، في شأن جوازات السفر على أنَّه: لا يجوز لمصري مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا إذا كان حاملًا لجواز سفر، ومن الأماكن المخصصة لذلك، وبتأشيرة على جواز سفره، ورَتَّب القانون عقوبةً على مخالفي هذا الحكم.
ثانيًا: ما يكون في بعض صورها من تعريض النفس للهلاك من غير مُسَوِّغ شرعي، وقد جاءت نصوص الشريعة بالنهي عن تعريض النفس للهلاك؛ ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
ثالثًا: ما يترتب على هذا النوع من الهجرة من إذلال المسلم نفسه؛ فإنَّ الدخول إلى البلاد المهاجَر إليها من غير الطرق الرسمية المعتبَرة يجعل المهاجِرَ تحت طائلة التَّتَبُّع المستمر له من قِبَل سلطات تلك البلد، فيكون مُعرَّضًا للاعتقال والعقاب، فضلًا عما يضطر إليه كثير من المهاجرين غير الشرعيين من ارتكاب ما يُسِيء إليهم وإلى بلادهم، بل وأحيانًا دينهم، ويعطي صورة سلبية عنهم؛ كالتسول وافتراش الطرقات، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المُسلمَ أن يُذِلَّ نفسه؛ فقد روى الترمذي -وحسَّنه- عن حذيفة بن اليَمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَنبَغي للمؤمِن أَن يُذِلَّ نَفسَه» قالوا: وكيف يُذِلُّ نَفسَه؟ قال: «يَتَعَرَّض مِن البلاء لما لا يُطِيق».
رابعًا: ما في هذه الهجرة من خرق للمعاهدات والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، وقد روى الترمذي في "سننه" -وقال: "حسن صحيح"- عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا».
خامسًا: ما يكون في بعض صورها من تزوير وغش وتدليس على سلطات الدولتين المُهَاجَر منها والمُهَاجَر إليها، وهو من باب الكذب، والكذب هو: الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه، والأصل فيه التحريم؛ وقد قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].
وهذه المخالفات والمفاسد قد تجتمع كلها في صورة واحدة من صور الهجرة غير الشرعية، وقد يتخلف بعضها في بعض الصور، لكن لا تخلو صورة من صورها عن مفسدة منها، وتَحقُّق مفسدة منها في صورةٍ كافٍ للقول بالمنع والتحريم.
وبناءً على ذلك: فإنَّ الهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحصل الآن لا يجوز فعله أو الإقدام عليه شرعًا.

إنَّ ما يقدم عليه بعض الشباب من الهجرة غير الشرعيَّة بطرقٍ غير مشروعة، وبوسائل محفوفةٍ بالأخطار لهو قتل للنَّفس وإزهاقٌ للروح، والإنسان بنيان الربِّ لا يحلُّ له أن يقدم على إتلاف هذا البنيان، ولا يجوز له أن يتعلل بأنها نفسه يملكها ويتصرَّف فيها كيف يشاء، فهي ليست ملكه على الحقيقة وإنَّما هي ملك لله، خوَّل له التصرُّف فيها وِفق ما أذِن الله به، فلا يحلُّ له أن يتصرَّف فيها إلاَّ في حدود ما أذِن الله به، ويوم أن يُقدم على مثل هذا العمل المحفوف بالأخطار الذى يغلب على الظنِّ تلَف النفس فيه فتذهب نفسه يلقى ربَّه وهو عليه غاضب.

 
يا معشر الشباب المسلم:

أنتم ملك لله، وأنفسكم هبة الله إليكم جعلها أمانةً عندكم، فحافظوا عليها ولا تعرِّضوها لما يزهقها فإن الله عزوجل يقول فيمن هذا حاله: ( بادرني عبدى بنفسه حرَّمت عليه الجنة ) رواه البخاري.

أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الرزق الحلال، وأن يجعلنا وإياكم معظِّمين لأمره، منتهين عما نهى الله عنه، 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجمل التهانى القلبية للعروسين محمد وحبيبة

يعلن ائتلاف القيادة الوطنية للشباب عن تخرج الدفعة الثالثة من الصالون الثقافي

افتتاح مكتب بولاق الدكرور لفض المنازعات نقابة مستشاري التحكيم الدولي