الغزو الذي يقتل العقول قبل أن يطعن القلوب



كتب أشرف ماهر ضلع 
لم تكن الحملات الصليبية، على وحشيتها، أعظم خطرًا على الأمة الإسلامية من الفكرة التي وُلدت في ظلال هزيمتها. فبعد أن تكسر سيف لويس التاسع على أسوار المنصورة، وأُودع أسيرًا في دار ابن لقمان، أدرك الرجل في سجنه أن الحديد والنار لا يهزمان أمةً يتجذر في عقيدتها معنى المقاومة، وأن الدم عندها أرخص من ضياع الأرض والعرض.

خرج لويس من أسره عام 1250م وهو يحمل في يده سيفًا مكسورًا، وفي عقله خطةً أكثر مضاءً: خطةً تستبدل ميدان المعركة بساحات الفكر، وتحول هدف الحرب من احتلال الأرض إلى احتلال العقل. كتب في وصاياه: «إنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين بالحرب، ما دام في دينهم هذا المعنى الحاسم — الجهاد والمواجهة — وإن الحل هو تفريغ هذه القيم من مضمونها العملي، وجعلها مجرد مشاعر وأدبيات، حتى تفقد خطرها».

هكذا وُلد أخطر أشكال الغزو: الغزو الفكري، حيث تُشن الحروب على المناهج، وتُقصف العقول بدل المدن، وتُحاصر المفاهيم قبل أن تُحاصر البلدان. إنه غزو ناعم الملمس، لكنه شديد الفتك، يلبس ثوب التعاون والصداقة، بينما ينخر في جذور الهوية.

لقد فهم أعداء الأمس — وما زالوا — أن الأمة التي يُنتزع منها  وعيها، ستسلم رقبتها بلا سيف، وتفتح أبوابها بلا حصار. وهنا يبرز السؤال الذي لا يهدأ:
هل وعينا أن المعركة اليوم ليست على الحدود، بل في الكتب التي يقرؤها أبناؤنا، وفي الشاشات التي تربيهم، وفي الخطاب الذي يُعيد تشكيل عقولهم؟

إن أخطر ما قد يحدث للأمة، ألا تدرك أنها في حرب، وألا ترى أن البنادق قد صمتت لتتكلم الأقلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجمل التهانى القلبية للعروسين محمد وحبيبة

يعلن ائتلاف القيادة الوطنية للشباب عن تخرج الدفعة الثالثة من الصالون الثقافي

افتتاح مكتب بولاق الدكرور لفض المنازعات نقابة مستشاري التحكيم الدولي